ميت البحر و التعزية بالميت و نبش قبره
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد: إذا مات المسلم في سفينة في البحر ينتظرون به إن كانوا يرجون موضعًا يدفنونه فيه لو حبسوه يومًا أو يومين ما لم يخافوا عليه الفساد، فإن لم يجدوا غسِّل وكفِّن وصُلِّيَ عليه، ثم يثقّل بشىء ويلقى في الماء، وإن ألقوه في البحر لم يأثموا، أي إن تعذّر عليهم الدفن.
نقل الميت من جهة موته
يحرم نقل الميت بعد دفنه إلى محل آخر ليدفن فيه ولو أمن تغيره، إلا إن جرت عادتهم بدفن موتاهم في مكان قريب من بلدتهم، ويستثنى من ذلك من مات في جهة قريبة من مكة المكرمة أو المدينة المنورة أو بيت المقدس، أو قريبًا من مقبرة قوم صالحين، فإنه يسن نقله إليها إذا لم يخش تغير رائحته، وإلا حرم. وهذا كله إن كان قد تمَّ غسله وتكفينه والصلاة عليه في محل موته، وأما قبل ذلك فيحرم مطلقًا، وكذلك يحرم نقله بعد دفنه إلا لضرورة، كمن دفن في أرض مغصوبة، فيجوز نقله إن طالب بها مالكها. ونبشه بعد دفنه للنقل وغيره حرام إلا لضرورة، كأن دُفِن بلا غسل أو في أرض أو ثوب مغصوبين، أو وَقَعَ مال حيث دفنوه، أو دُفن لغير القبلة.
نبش القبر
يحرم نبش القبر ما دام يُظنّ بقاء شىء من عظام الميت الكبيرة فيه كاليد والرجل والفخذ، أما مقدار أصابع الكف فيجوز، وتوضع العظام الصغيرة في جانب القبر. ويستثنى من ذلك أمور منها أن يكون كفّن بمغصوب وأبى صاحبه أن يأخذ القيمة، ومنها أن يكون دفن في أرض مغصوبة، ولم يرض مالكها ببقائه، ومنها أن يدفن معه مال بقصد أو بغير قصد سواء كان هذا المال له أم لغيره، وسواء كان قليلًا أم كثيرًا، سواء تغير الميت أم لا وهذا متفق عليه عند الأئمة الثلاثة، عدا المالكية. كذلك ينبش القبر لتوجيه الميت إلى القبلة إن لم يكن وجّه إليها، أو دفن من غير غسل إلا أن يخشى عليه أن يتفسخ فيترك.
التعزية
العزاء الصبر، والتعزية التصبير، والحَمْل على الصبر بذكر ما يسلّي المصاب ويخفف عنه حزنه ويهون عليه مصيبته. والتعزية مستحبة لما رواه ابن ماجه في سننه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة" . وينبغي أن تكون لأهل الميت جميعهم وأقاربه كبارًا وصغارًا وذكورًا وإناثًا، سواء كان قبل الدفن أم بعده، إلى ثلاثة أيام، إلا إذا كان المعزّى أم المعزّي غائبًا فلا بأس بالتعزية بعد ثلاث، والتعزية تؤدى بأي لفظ يخفف المصيبة ويحمل على الصبر والسلوان.
روى البخاري في صحيحه عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبي عليه الصلاة والسلام إليه إنّ ابنًا لي قبض فَأْتِنا، فأرسل يُقرئ السلام ويقول: "إنّ لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شىء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب"، أي تطلب الأجر والثواب من الله تعالى
وهذا الحديث من أعظم قواعد الإسلام المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه وآدابه والصبر على النوازل كلها والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض، ومعنى "إنّ لله ما أخذ" أنّ العالم كلّه مِلك لله تعالى، فلم يأخذ ما هو لكم، بل أخذ ما هو له عندكم، ومعنى "له ما أعطى " أنّ ما وهبه لكم ليس خارجًا عن ملكه بل هو سبحانه يفعل فيه ما يشاء، وكل شىء عنده بأجل مسمى، فلا تجزعوا فإنّ من قبض روحه قد انقضى أجله المسمى، فمحال تقدّمه أو تأخره، فإذا علمتم هذا كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم. وقال الحنفية: يستحب أن يقال للمعزّى: غفر الله تعالى لميتك، وتجاوز عنه وتغمده برحمته، ورزقك الصبر على مصيبتك وآجرك على موته، أو يقول معزيًا: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك وغفر لميّتك.اهــــ
وءاخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين